responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 68
الْقِيَامَةِ، وَإِنْ أَذِنَ اللَّهُ فِي قَتْلِهِمْ/ وَقَعُوا فِي الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالنَّهْبِ، وَانْتَقَلُوا مِنَ الدُّنْيَا إِلَى عَذَابِ النَّارِ، فَالْمُنَافِقُ لَا يَتَرَبَّصُ بِالْمُؤْمِنِ إِلَّا إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي غَايَةِ الْجَلَالَةِ وَالرِّفْعَةِ وَالشَّرَفِ، وَالْمُسْلِمُ يَتَرَبَّصُ بِالْمُنَافِقِ إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، أَعْنِي الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْخِزْيِ وَالذُّلِّ وَالْهَوَانِ، ثُمَّ الِانْتِقَالَ إِلَى عَذَابِ الْقِيَامَةِ وَالْوُقُوعُ فِي الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ مَعَ الْخِزْيِ وَالذُّلِّ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ فِي غَايَةِ الْخَسَاسَةِ وَالدَّنَاءَةِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى لِلْمُنَافِقِينَ: فَتَرَبَّصُوا بِنَا إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ الشَّرِيفَتَيْنِ إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ وُقُوعَكُمْ فِي إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ الْخَسِيسَتَيْنِ النَّازِلَتَيْنِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: يُقَالُ فُلَانٌ يَتَرَبَّصُ بفلان الدوائر، وإذا كَانَ يَنْتَظِرُ وُقُوعَ مَكْرُوهٍ بِهِ، وَهَذَا قَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: التَّرَبُّصُ، التَّمَسُّكُ بِمَا يُنْتَظَرُ بِهِ مَجِيءُ حِينِهِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: فُلَانٌ يَتَرَبَّصُ بِالطَّعَامِ إِذَا تَمَسَّكَ بِهِ إِلَى حِينِ زِيَادَةِ سِعْرِهِ، وَالْحُسْنَى تَأْنِيثُ الْأَحْسَنِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا قِيلَ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. أَيْ بِعَذَابٍ يُنْزِلُهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا، أَوْ بِأَيْدِينَا بِأَنْ يَأْذَنَ لَنَا فِي قَتْلِكُمْ. وَقِيلَ: بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَتَنَاوَلُ عَذَابَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَوْ بِأَيْدِينَا الْقَتْلُ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانُوا مُنَافِقِينَ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ مَعَ إِظْهَارِهِمُ الْإِيمَانَ، فَكَيْفَ يَقُولُ تَعَالَى ذَلِكَ؟
قُلْنَا قَالَ الْحَسَنُ: الْمُرَادُ بِأَيْدِينَا إِنْ ظَهَرَ نِفَاقُكُمْ، لِأَنَّ نِفَاقَهُمْ إِذَا ظَهَرَ كَانُوا كَسَائِرِ الْمُشْرِكِينَ فِي كَوْنِهِمْ حَرْبًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَقَوْلُهُ: فَتَرَبَّصُوا وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّهْدِيدُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ والله أعلم.

[سورة التوبة (9) : آية 53]
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (53)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ عَاقِبَةَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ هِيَ الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، بَيَّنَ أَنَّهُمْ وَإِنْ أَتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَإِنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ أَنَّ أَسْبَابَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مُجْتَمِعَةٌ فِي حَقِّهِمْ، وَأَنَّ أَسْبَابَ الرَّاحَةِ وَالْخَيْرِ زَائِلَةٌ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ والكسائي كرها بضم الكاف هاهنا، وَفِي النِّسَاءِ وَالْأَحْقَافِ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ فِي الْأَحْقَافِ بِالضَّمِّ مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَفِي النِّسَاءِ وَالتَّوْبَةِ بِالْفَتْحِ مِنَ الْإِكْرَاهِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْكَافِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. فَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ. وَقِيلَ: بِالضَّمِّ الْمَشَقَّةُ وَبِالْفَتْحِ مَا أُكْرِهْتَ عَلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ حِينَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْذَنْ لِي فِي الْقُعُودِ وَهَذَا ما لي أُعِينُكَ بِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ السَّبَبَ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا إِلَّا أَنَّ الْحُكَمَ عَامٌّ، فَقَوْلُهُ: أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ أَمْرٍ، إِلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ. وَالْمَعْنَى: سَوَاءٌ أَنْفَقْتُمْ طَائِعِينَ أَوْ مُكْرَهِينَ فَلَنْ يُقْبَلَ ذَلِكَ مِنْكُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَبَرَ وَالْأَمْرَ يَتَقَارَبَانِ، فَيَحْسُنُ إِقَامَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ. أَمَّا إِقَامَةُ الْأَمْرِ مَقَامَ الْخَبَرِ، فَكَمَا هاهنا، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [التَّوْبَةِ: 80] وَفِي قَوْلِهِ: قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا [مَرْيَمَ: 75] وَأَمَّا إِقَامَةُ الْخَبَرِ مَقَامَ الْأَمْرِ، فَكَقَوْلِهِ: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [الْبَقَرَةِ: 233] وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ
[الْبَقَرَةِ: 228] وَقَالَ كُثَيِّرٌ:

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 68
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست